محاكم التفتيش في اسبانيا
يسعى هذا الكتاب إلى معالجة الصورة التي كانت عليها محاكم التفتيش بإسبانيا, أي في جزء فقط من المناطق التي كانت تحت سلطة الملكين فرديناند وإيزابيلا. ثم تحت حكم آل هابسبورغ وأخيراً تحت حكم أوائل البوربونيين.
لن نجد إذا في هذا الكتاب سوى إشارات قليلة وموجزة عن نشاط الديوان المقدس في عدد من مناطق تاج قشتالة - جزر الكناري- المناطق الخاضعة لنيابة الملك. في «إسبانيا الجديدة» و البيرو - ومن مملكة أراغون - صقلية -.
وهذا الاختيار ليس إعتباطياً فقد تم إنشاء محاكم التفتيش في أواخر القرن الخامس عشر لحل مشكلة معينة وهي تلك االتي كان يطرحها وجود آلاف اليهود المتنصرين بشبه الجزيرة الإيبيرية.
فمن المنطقي إذا إعطاء الأولوية لدراسة الطريقة التي واجهت بها محاكم التفتيش هذه المشكلة وإن كانت هذه الأخيرة. قد وسعت سلطتها ابتداء من القرن السادس عشر لتشمل أقليات أخرى واستقرت بمناطق جغرافية جديدة.
إن المذابح الأولى في حق اليهود بطليطلة سنة 1355م – لم تكن عفوية وإنما ارتكبت من قبل أنصار تراستامار Trastamare عندما دخلوا إلى المدينة.
وقد كان جنود تراستامار والمرتزقة الفرنسيون بقيادة دوكويسلين Duguesclin أيضاً من دمر الحي اليهودي في بريفييسكا Briviesca في ربيع عام 1366م.
وفي شهر أبريل / نيسان من سنة 1366م دخل هنري دي تراستامار نفسه إلى بورغوس Burgos وفرض على يهود المدينة دفع جزية ضخمة تحت طائلة إستعباد وبيع من لم يستطع منهم دفعها.
وفي سنة 1367م اندفعت الدهماء في بلد الوليد Valladolid إلى الحي اليهودي صارخة «عاش الملك هنري». لم يسفر ذلك عن ضحايا ولكن الكنائس اليهودية انتهبت.
انطلقت أعمال الشغب من اشبيلية لتشمل مملكة قشتالة بأسرها وشهدت قرطبة Cordoba وجيان Jaén وأوبيدا Ubeda وباييثا Baeza، إلخ...
تكرار عمليات النهب والقتل تمت إبادة الحي اليهودي بثيوداد ريال Ciudad Real ونهب كل من الحي اليهودي بطليطلة Toléde وكوينكا Cuenca. شمال غواداراما Guadarrama اتخذت الأحداث منعطفاً أقل مأساوية.
سُجلت حالات من الذعر بين يهود بورغوس Burgos وبعض حالات النهب هنا وهناك لكن بعدد أقل من الضحايا.
فسكان بلدات مملكة أراغون كانوا قد ابتعدوا عن هيستيريا معاداة السامية ربما لأن السلطة الملكية هناك كانت مهابة قشتالة.
لقد بلغنا القليل عن الاحتجاج ضد تواجد اليهود في الإدارة الضريبية كما أن موضوع الربا لم يكد يطرح هناك، ولكن ومع ذلك سوف ينتشر العنف بسرعة في مملكة أراغون في أغسطس / آب من سنة 1391م.
توركيمادا محققاً عاماً التاريخ الموجز لمحاكم التفتيش في اسبانيا
لقد انتهى اختبار القوة مع الباباوية لصالح الملكين، فقد تنازلت الأولى لصالح هذين الأخيرين عن إحدى صلاحياتها الأساسية: فالدفاع عن العقيدة ومحاربة الهرطقة في إسبانيا سيسندان من الآن فصاعداً إلى محكمة تعمل بتفويض من الباباوية، لكنها تخضع لنفوذ السلطة المدنية، التي تقوم بتعيين قضاتها. خلال هذه الفترة المصيرية، ستبرز الشخصية التي ستعطي لـ «الديوان المقدس» الإسباني شكله النهائي تقريباً.
كان توماس دي توركيمادا Thomas de Torquemada أحد المحققين الخمسة الجدد الذين عينهم البابا سيكستوس الرابع في 11 من فبراير / شباط 1482م، ولا بد أنه قد حصل على لقب، ووظيفة المحقق العام، بعد ذلك بفترة وجيزة، الأمر الذي خول له بدوره تعيين محققين مفوضين.
محاكم التفتيش في مملكة أراغون
سيكون توركيمادا، مجدداً، من سيتكفل بإنشاء محاكم التفتيش في مملكة أراغون. إلا أن الأمر هنا ليس بديهيا لسببين: الأمر الباباوي الذي رخص لفرديناند وإيزابيلا تعيين محققين وقع سنة 1478م، أي في الفترة التي كانت سلطتهما تشمل فقط مملكة قشتالة، بما أن فرديناند لن يصبح ملكاً لأراغون حتى يناير / كانون الثاني من سنة 1479م. وعندما طلب فردیناند ترخيصاً للتصرف في أراغون كما كان يفعل في قشتالة، في 23 من ماي / أيار 1481م، أبدى البابا تحفظاته على الأمر. في الواقع، – وهذا هو السبب الثاني الذي قد يشكل عائقاً أمام تأسيس محاكم التفتيش في هذه الأقاليم- في مملكة أراغون، كانت توجد محاكم تفتيش من قبل، وهي تلك التي تسمى بالمحاكم القروسطوية،
في 29 من ديسمبر / كانون الأول سنة 1481م سيحاول فردیناند فرض ذاته: سيقوم بتعويض محققي أبرشية بلنسية Valencia بآخرين عينهم بنفسه، وسيتصرف بنفس الطريقة في سرقسطةZaragoza . وفي كلتا الحالتين، كان فرديناند يتصرف كما لو أن الأمر البابوي المؤرخ بتاريخ 1 من نوفمبر / تشرين الثاني 1478م، يخول له ولإيزابيلا تعيين محققين في جميع الأقاليم التي قد تقع لاحقاً تحت سلطتيهما. وجاء رد البابا شديداً، في 18 من أبريل / نيسان 1482م، وفي أكتوبر / تشرين الأول من نفس العام، قام بوقف جميع محاكم التفتيش في أراغون. واستمرت المواجهة إلى غاية 17 من أكتوبر / تشرين الأول سنة 1483م، عندما سيوافق البابا سيكستوس الرابع على تعيين توركيمادا
طرد اليهود التاريخ الموجز لمحاكم التفتيش في اسبانيا
من أجل وضع حد لمشكلة المتهودين بشكل نهائي، قرر الملكان في عام 1492 طرد اليهود. بما أن هؤلاء لم يكونوا قد تعمدوا، لم يكن من الممكن ملاحقتهم بدعوى الهرطقة، ولم يكونوا بالتالي مهددين من قبل محاكم التفتيش. ومع ذلك فإن توركيمادا كان يعتبر أن الطرد هو نتيجة طبيعية لمحاكم التفتيش. وقد أقنع الملكين بذلك، وكانت حجته تلك التي وردت في مقدمة المرسوم الصادر في 31 من مارس / آذار 1492م: إن مهمة إدماج المتنصرين أضحت صعبة، أو بالأحرى مستحيلة بوجود اليهود الذين تربطهـم بهـم . علاقات قرابة وصداقة وعمل. وبالتالي، فما دام هناك وجود لليهود بإسبانيا فلن يستطيع . المتنصرون أبدأ وهم على اتصال بهم التخلي عن عاداتهم القديمة، وسيكون ن الممكن حثهم على التهود. هذا التفسير هو الصحيح بلا شك: كانت هناك رغبة في خلق وضع لا يمكن معه الرجوع إلى الوراء، وبالقضاء على اليهودية، كان هناك أمل في تثبيط عزيمة المتهودين. وجو الحماس الديني الذي أعقب سقوط غرناطة تكفل بالباقي.
المتهودون البرتغاليون التاريخ الموجز لمحاكم التفتيش في اسبانيا
كانت الاضطهادات الكبرى، أواخر القرن الخامس عشر، بمثابة ضربات قاسية للمتهودين. فالمتهوّدون أولئك الذين استمروا في ممارسة شعائر الديانة اليهودية في الشر، ودون أن يختفوا تماماً، أصبحوا في تقلص مستمر. ضمن المتابعات القضائية لمحاكم التفتيش، خلال القرن السادس عشر، لا تزال هناك ملاحقات وإدانات للمتهودين، لكنها تندر، أكثر فأكثر. ستتغير الأمور في نهاية القرن السادس عشر، ففي سنة 1580م، ستتوحد مملكة قشتالة والبرتغال تحت سلطة عاهل واحد، وهو فيليب الثاني، وهذا الوضع سيستمر إلى غاية سنة 1640م، في عهد كل من فيليب الثالث وفيليب الرابع. استغل الكثير من اليهود ذوي الأصول الإسبانية، ممن كانوا قد لجأوا إلى البرتغال خلال فترة طردهم من إسبانيا، وأرغموا على التحول إلى الكاثوليكية، هذا الظرف للعودة إلى وطنهم. وفعل اليهود البرتغاليون الشيء نفسه، وقد جذبهم الازدهار الذي كان يعرفه النظام الملكي آنذاك، وفضلوا الاستقرار في المناطق الأكثر تطورا:
الموريسكيون التاريخ الموجز لمحاكم التفتيش في اسبانيا
في إسبانيا الوسطوية، إلى جانب اليهود، كانت هناك أقلية دينية أخرى وهي طائفة المسلمين - الذين كان يطلق عليهم اسم المدجنين- وهم أيضاً كان لديهم نظام خاص يحفظ لهم حرية ممارسة معتقدهم. ما بين سنة 1502 و1526م، سيكره هؤلاء المدجنون على اعتناق الكاثوليكية، وسوف يعرفون بعد ذلك باسم «الموريسكيين». تم طرد اليهود مبكراً، كما أصبح المتنصرون مستهدفين من محاكم التفتيش منذ وقت مبكر. أما فيما يخص الموريسكيين، فإن إسبانيا قد ترددت طويلاً، ومحاكم التفتيش أظهرت تجاههم صرامة أقل، فقد كان الموريسكيون يعيشون على هامش المجتمع المسيحي، ولم يكونوا مختلطين به كاليهود، فكانوا يطرحون مشكلة اجتماعية أكثر منها دينية.